الحمد لله
الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على رسول الهدى الذي أمر
بالعلم قبل العمل، فبه ارتفع وتقدّم، وعلى آله وأصحابه ومَن بأثره اقتفى والتزم.
أما بعد: فإن
كلية الشريعة بأيت ملول إحدى الصروح العلمية الشامخة لجامعة القرويين العريقة – وهي
تابعة الآن حسب التقسيم الجهوي الجديد لجامعة ابن زهر- ، يقارب عمرها على نصف قرن من
العطاء والتقدم والتميز، تأسست بعد المقابلة الملكية السامية التي تشرف بها وفد جمعية
علماء سوس بمعية الأمين العام لرابطة علماء المغرب ووفد من علماء القرويين بالقصر الملكي
العامر بفاس بتاريخ: 28 جمادى الثانية 1398 هـ، الموافق: 5 يونيو 1978 م، وأبرزها للناس
المرسوم الحكومي رقم: 2.79.283 والصادر في: 23 رجب 1399 هـ، الموافق: 19 يونيو
1979م، والمنشور في الجريدة الرسمية عدد: 3477 صحيفة 1736 بتاريخ: 24 رجب 1399هـ، الموافق
20 يونيو 1979م، و اعتبرت من ذلك الحين إحدى الكليات التابعة لجامعة القرويين.
قال صاحب الجلالة
الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله في خطابه الملكي السامي الموجه للعلماء في اللقاء
التأسيسي لكلية الشريعة بأكادير:"...أحب أن تكون هذه الكلية أحسن من غيرها، وأن
تخدم الشريعة الإسلامية حتى تكون سهلة التناول، رفيقة المواطنين في مختلف ميادين حياتهم...".
وقد كان للرعاية
الكريمة المولوية للمغفور له الملك الراحل الحسن الثاني التي أولاها لكلية الشريعة
خاصة الأثر الهام والفعال في إنشائها وتطويرها ودفع المسيرة التعليمية بها نحو الأمام.
وقد شكلت الكلية
خلال عشرات العقود منارة للعلم ومورداً للمعرفة، خّرجت فيها آلاف الطلبة وكبار العلماء
والمثقفين في المغرب، وكانت على الدوام قبلة أصحاب العلم من العالمين العربي والإسلامي
نظراً إلى سمعتها الطيبة، ومناهجها التعليمية الرصينة، وحرصها على تقديم العلم والمعرفة.
وهي في دراستها
ذات طابع متميز؛ إذ تعتمد على دراسة الفقه الإسلامي وتقارن في مسائله بين المذاهب الفقهية
الإسلامية من ناحية وبين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية من ناحية أخرى، ولا تغفل
الكلية عن تدريس الاتجاهات الفكرية المعاصرة، والتيارات الإسلامية الحديثة، وكل ما
يتصل بثقافة العصر؛ لأن المسلم الكيس الفطن لا يجوز له أن يغيب عن عصره، أو يجهل ما
يحيط به من أفكار واتجاهات، ثم يزنها بعد ذلك بميزان الشرع ليعرف صحيحها من فاسدها،
وصالحها من طالحها.
وتصدر الكلية كل عام عددا جديدا من مجلتها العلمية المحكمة
من قبل محكمين أساتذة في الجامعة، وهي مجلة فكرية ثقافية، تحمل اسم الكلية، وتعبر عن
أهدافها، وتجسد رسالتها التي نهضت بها، وآلت على نفسها تحمل مشعلها، والمجلة تحوي أبحاثا
علمية في الفقه وأصوله والفقه المقارن بالفقه وبالقانون كما تهتم بالدراسات القانونية؛
وهي أبحاث لا غنى عنها في حياتنا، كما تحوي الكلية مكتبة عامرة بالكتب هي الأكبر في
جنوب المغرب.
وتهدف رسالتها
تحقيق مقاصد وأهداف التعليم العالي وتوفير التعليم الجامعي والدراسات العليا لطلبة
الكلية، مع تنمية مهاراتهم العلمية والعملية، ومهارات التعامل داخل وخارج الكلية، مع
تشجيع أعضاء هيئة التدريس للبحث العلمي، والمشاركة في خدمة المجتمع...
والكلية تسهم
في صنع أجيال من الشباب المؤمن المتضلع من الثقافة الإسلامية والعربية، فيكون منهم
الخطيب والداعية والعالم والمدرس والمجاهد بقلمه وفكره في سبيل نشر دين الله، وإعلاء
كلمته في الأرض، وهي تمضي راسخة القدم، شامخة الهامة في أداء رسالتها النبيلة.
وتخرَج الكلية
كل عام خريجين يعين بعضهم في وزارات: التعليم، والعدل والحريات، والأوقاف، والأسرة
والتضامن، والداخلية...
والكلية في
مسيرتها التعليمية تنطلق من مجموعة من القيم، منها:
-خصوصية التربة التي بنيت
عليها؛ وهي وقف الحاج يحيى بن ايدر رحمه الله.
-خصوصية الاسم والانتماء
للحضارة الإسلامية.
-الالتزام بالسياسة التعليمية
الوطنية وإنفاذ توجيهات وتطلعات سياسة الدولة العامة في التعليم العالي.
-التجاوب مع متطلبات خطط
التنمية الوطنية.
-مواكبة المستويات العالمية
الراقية في التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع.
-أولوية تقديم برامج تعليمية
متجددة لتلبية حاجة السوق الفعلية.
-السعي نحو تطبيق معايير
الجودة النوعية الشاملة في كل ما تقدمة الكلية.
وتهدف كلية
الشريعة إلى ما يأتي:
-إبراز القيم التي نهضت بها
الحضارة الإسلامية، وتعزيز روح الإخلاص في القبول والعمل، وترسيخ انتماء الطالب لدينه
ووطنه وأمته.
-إعداد المتخصصين في مختلف
ميادين العلوم الشرعية القادرين على الجمع بين العلم والعمل الصالح، وتأهيلهم بمستوى
عالٍ من المعارف والمنهجية العلمية والمهارات في مجال اختصاصهم، بما يؤهلهم للاندماج
في سوق الشغل.
-المشاركة في إجراء البحوث
العلمية والدراسات المختلفة التي تؤدي إلى إيجاد الحلول لمختلف القضايا التي تواجه
المجتمع المغربي خاصة والإسلامي عامة.
-تطوير وسائل البحث ومناهجه،
وأصول التدريس وأساليبه في مجال العلوم الإسلامية والقوانين الوضعية.
ولتحقيق هذه
الأهداف تعتمد كلية الشريعة الوسائل الآتية:
-تنظيم المؤتمرات والندوات
والدورات العلمية.
-الإسهام في النشاطات العلمية
والدينية والقانونية.
-عقد شراكات دائمة متجددة
مع الكليات ومراكز البحوث الأخرى داخل المغرب وخارجه.
-التطوير المستمر في خطط
الكلية ومناهجها وأنشطتها وتوسيع دائرة عملها لتلبي متطلبات التنمية والمجتمع في ظل
أهداف الكلية.
والكلية في
مناهجها تسير نحو الأهداف التي تسعى إليها، مع الأمل والرجاء أن يكون سيرها إلى الأفضل
والأكمل دائما، لتكون مركزا للإشعاع العلمي والتوجيهي. وقد استطاعت بحمد الله تحقيق أهدافها؛ فرسخت صلتها بالعالم
العربي والإسلامي واشتركت ممثلة للجامعة بنخبة من أساتذتها في عدد من المؤتمرات واللقاءات
الدولية. ولا
تزال الكلية تطمح في عهد أمير المؤمنين الملك محمد السادس نصره الله وأيده إلى تحقيق
المزيد من التقدم والتميز بما يسهم في رفع جودة التعليم وتطوير البحث العلمي، وتحقيق
رسالة التعليم العالي العلمية، وإعداد الجيل الشاب إعدادا معرفيا قويا، قادرا على مواكبة
العصر، والدخول في المستقبل بقوة وثبات، والإسهام في المنجز الحضاري والثقافي والإنساني
للمملكة المغربية.
أكادير في 01 مارس 2016
عميد
الكلية: أ/د. عبد العزيز بلاوي |